لمحة تاريخية عن الطرق الصوفية في قبيلة أحمر
الطرق الصوفية
تتميز قبيلة أحمر بمناخ شبه صحراوي جاف، وتمتد على مجال جغرافي واسع، وتضم معالم تاريخية ومآثر معمارية مهمة، ويسكنها أجناس وأعراق مختلفة، ويوجد فيها مدارس علمية كثيرة ما بين مدارس قرآنية ومدارس علمية، وأخرى صوفية عرفانية، حيث نجدها عامرة بالزوايا العلمية التي كانت تؤدي دور التربية والتعليم بل والجهاد والاصلاح الاجتماعي، وكان أول من نزل تراب هذه القبيلة بعد قبيلة آل عمرو الصنهاجية، وبني زرارة المعقلية، أولاد بن ناصر الحمري وهما السيدان سيدي سعيد وسيدي علي، وكانا على مذهب أبي عبد الله سيدي أحمد بن ناصر الدرعي الجعفري شيخ الطريقة الناصرية الشاذلية، وكثر أتباع هذه الطريقة بالقبيلة ولم ينافسها غيرها مدة طويلة من الزمان، ومن صوفية القبيلة من رحل إلى تامكروت وصحب الشيخ نفسه، ومنهم من التقى بأبنائه أو حفدته، ومن هؤلاء سيدي محمد التهامي الاوبيري الحمري ت1250، حيث صحب الشيخ ابن عبد السلام الناصري وتلقى الورد الناصري عليه، وإن كان قد أتم الأخذ عن الشيخ الوزاني فيما بعد، وظل المد الناصري ساريا في القبيلة ردحا من الزمان لأن الطريقة الناصرية طريقة سنية وصاحبها عالم جليل وقد تبناها العلماء كأبي علي اليوسي والأمراء والملوك. ولما نزل الشيخ أبو العباس أحمد التجاني بفاس في عهد المولى سليمان توافدت عليه الطلبة والمريدون، وسلّكهم برائية الامام الشريشي في السلوك، التي يقول في مطلعها: إذا ما بدا من باطن حالة الزجر *** فاهو الا البر من منح البر ومن حَكمٍ حال الانتباه إذا بدا *** شهودك حال النفس في غاية الفقر فتستغفر الرحمن من كل زلة *** وتسأله عفوا يرى البِشْر في النثر واتبعه السلطان على مذهبه، ونال التوقير والتبجيل من الأمراء ورجال السلطة، وساعده هذا على تكثير مريديه وانتشار طريقته في أقطار المغرب الأقصى، وكان لقبيلة أحمر نصيب منها وإن كنا نجهل أو من أدخلها الى القبيلة إلا أننا وجدنا رجالها كثر وأتباعها يضاهون أتباع الشيخ ابن ناصر الدرعي. ثم ظهر الشيخ العربي الدرقاوي في دولة المولى عبد الرحمن بن هشام وسعى في الصلح بين أمير تلمسان وأهلها، وكان سفيرا عند المولى عبد الرحمن بن هشام ورغب إليه في ضم تلمسان إلى ملكه بعد أن أنكرت الرعية سلطة الداي العثماني، وشاع فضل هذا الشيخ وانتشر بين الناس صلاحه، وتردد إليه المريدون زرافات ووحدانا وتمسكوا بتوصياته وتوجيهاته، ثم خلفه ابنه المولى الطيب وكان حسن السيرة ودمث الأخلاق مشهودا له بالعرفان والتصوف، وتلقى عن العربي جمع غفير منهم الشيخ أحمد بن عبد الله صاحب الزاوية بأزبزض، أخذ عنه بحقه سيدي أبو عثمان سعيد بن همو محمد السملالي، وأخذ عنه بحق أخذه له الشيخ سيدي أبو الحسن الحاج علي بن أحمد الدرقاوي الالغي شيخ الطريقة في وقته، وكانت له زاوية بإلغ وأخرى بالرميلة بمراكش، وقد سمعت مرارا من غير واحد من أكابر العائلة أن جدي عبد الله بن محمد الحمري كان درقاويا وكان يفد على زاوية الرميلة لشهود ليلة المولدية، ولم تخل قبيلة أحمر من أتباع لهذه الطريقة وإن كانوا دون الناصريين والتجانيين. وفي دولة المولى عبد الحفيظ بن الحسن ظهر أمر الشيخ سيدي محمد بن عبد الكبير الكتاني، وشاع بين العلماء خبره واعترفوا له بالعلم والدراية، وكان فيضا كما قيل حتى كني بأبي الفيض، وقد ترجم له التعاريجي في الإعلام وأفاض في ذكر سيرته ومناقبه وكتبه ورسائله، وفصل في قضية امتحانه من لدن سلطان الوقت، ومما قاله فيه" ولم يكن أتباع شيخ في المغرب في وقته أكثر منه إلا ما كان من أتباع الشيخ ماء العينين الشنقيطي"، وانتشرت طريقته بقبيلة أحمر في حياته مع العلم أنه توفي شابا في سنة 37، وكان أول من أدخل الطريقة الشيخ المكاشف سيدي محمد الهنا الزركي الحمري، والشيخ فضول بن سالم الجنيدي الحمري ، وكلاهما تلاقاها مباشرة عن شيخ الطريقة محمد بن عبد الكبير الكتاني، ومن طريقهما انتشرت في القبيلة حتى أضحت تجاري الطريقة الناصرية والتجانية في كثرة الأتباع والمريدين، والذي وجدت الناس عليه وهو حتى اليوم جار على كل لسان في القبيلة أن رجال المصابيح الطالعة كانوا على مذهب الكتاني، ومازالت إلى الآن تقام المولودية عند أحد أتباع الطريقة ويحضرها جمع غفير من أتباع الطريقة ومن السوقة من داخل القبيلة وخارجها.