ابن العربي المعافري الأندلسي
هو أبو بكر، محمد بن عبد الله بن أحمد المعروف بابن العريي المعافري الأندلسي، الحافظ المشهور، والحامل له الزمان راية الظهور. تجول في الأرض طلبا للعلم، وتقديما لأمره المهم، وتكميلا لمعوز فضله ليتم، ورحل من أقصى الأندلس حتى أتى الحجاز، وخيم بالعراق، وعاد من الشرق بما ملأ الغرب بالإشراق، وتنقل في أفقيها، فتهلل هذا فرحة باللقاء، وعلت الآخر صفرة الفراق. قال ابن بشكوال: هو الحافظ المتبحر. ختام علماء الأندلس، وآخر أئمتها وحفاظها. لقيته بمدينة أشبيلية في جمادى الآخرة سنة عشرة وخمسمائة، فأخبرني أنه رحل إلى الشرق مع أبيه سنة خمس وثمانين وأربعمائة، وأنه دخل الشام، ولقي بها أبا بكر الطرطوشي، وتفقه عنده، ودخل بغداد، وسمع بها من جماعة من أعيان مشايخها، ثم دخل الحجاز، وحج سنة تسع وثمانين، ثم عاد إلى بغداد، وصحب أبا بكر الشاشي، وأبا حامد الغزالي، وغيرهما من العلماء والأدباء، ثم صدر عنهم، ولقي بمصر والإسكندرية جماعة من المحدثين، فكتب عنهم، واستفاد منهم، وأفادهم ثم عاد إلى الأندلس سنة ثلاث وتسعين، وقدم أشبيلية بعلم كثير لم يدخل به أحد قبله ممن رحل إلى الشرق. وكان من أهل التفنن في العلوم، والاستبحار فيها، والجمع لها، مقدما في المعارف كلها متكلما في أنواعها، نافذا في جميعها، حريصا على أدائها ونشرها، ثاقب الذهب في تمييز الصواب منها، ويجمع إلى ذلك كله آداب الأخلاق، مع حسن المعاشرة، وكثرة الاحتمال، وكرم النفس، وحسن العهد، وثبات الود. واستقضي ببلده. فنفع الله به أهلها، لصرامته وشدته ونفوذ أحكامه، وكانت له مع الظالمين سورة مرهوبة، ثم صرف عن القضاء، وأقبل على نشر العلم/313/وبثه. وسألته عن مولده، فقال: ولدت يوم الخميس لثمان بقين من شعبان سنة ثمان وستين وأربعمائة. وتوفي في شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة، ودفن بمدينة فاس، ومن مصنفاته "عارضة الأحوذي في شرح الترمذي". المصدر: ابن فضل الله العمري: مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، تحقيق، كامل سليمان الجبوري، الجزء الخامس، دار الكتب العلمية، بيروت،ص: 352-352.