مواقع مراكز الاستقرار خارج محيط مراكش
مواقع مراكز الاستقرار خارج محيط مراكش في العصر الوسيط : تاقايط تقع تاقايط على الضفة الجنوبية لوادي تانسيفت وبالذات الإطار الجغرافي الذي يوجد شمال مراكش، ويبعد عنها بحوالي عشر كيلومترات. وحسبما يلاحظ فإن البدايات الأولى لظهور هذا المجال لها علاقة قوية بتأسيس مراكش من طرف دولة المرابطين في منتصف القرن الخامس الهجري/الحادي عشر الميلادي، فقبل هذا التاريخ لم يكن موقع منطقة النخيل معروفا مثله في ذلك مثلا موقع آخر في الحوز الأوسط كجبل كليز، إذ لا نتوفر على ما يفيد استيطان الإنسان لهذا المجال، فنمط العيش القائم على الاستقرار كان منعدما وكذلك ممارسة الزراعة يؤكد ذلك وصف المصادر التاريخية لهذا الوسط الجغرافي بالخلاء. لعل من أبرز الأسباب التي تفسر هذه الخصوصية هي المناخ المحلي الذي كان يتميز بقساوته، أي شدة الحرارة ونذرة التساقطات وعدم انتظامها، يتضح ذلك من خلال هذا الوصف الذي كان صاحبه حيا في النصف الثاني من القرن السادس الهجري/الثاني عشر الميلادي يقول : «كان الطائر يطير فوقها فيسقط ميتا من الرمضاء والعطش". نتيجة لذلك كان النشاط الاقتصادي الممارس في المنطقية هو الرعي ويدل عليه معنى اسم القبيلة التي كانت تملك حق الانتفاع بجزء من المجال وهي هزميرة والاسم تحريف إزمارن وتعني الأكباش، واسم مراكش الذي يدل الجزء الأخير من رسمها (أكش) على الإله الكبش وكان يعبد في المنطقة قبل دخول الإسلام إلى المغرب. يلاحظ أن اسم تاقايط أمازيغي ويدل معناه الأول على تفاحة آدم Pomme d’Adame، ومعناه الثاني على نوى التمر. يلاحظ أن المعنى الأول للاسم له علاقة بالموقع، ففي إشارة تعود إلى القرن السادس الهجري/الثاني عشر الميلادي يقول البيدق: «جاوز تانسيفت إلى تاقايط»، والمعنى يحيل هنا إلى القنطرة المرابطية التي كانت تربط ضفة نهر تانسيفت الشمالية بضفته الجنوبية وتقوم بوظيفة المعبر، وهي الوظيفة التي تؤديها تفاحة آدم لعبور الغذاء من الفم إلى المعدة عند الإنسان. أما المعنى الثاني وهو نوى التمر، فله علاقة متينة أيضا بالمجال، والمعروف في علم معرفة دلالات أسماء المواقع الجغرافية (la toponymie) أن الأماكن غالبا ما ترجع أصول أسمائها إلى واقع محلي أثر فيها (مثل باب الدباغين الذي له علاقة بمجاورة أماكن حرفة الدباغة)، وهذا يفيد أن المنطقة كانت توجد بها غابة من النخيل في فترة حكم المرابطين. شكلت منطقة تاقايط مع موقع تاووتي (منطقة سقر حاليا) القسم الشمالي من الحزام الأخضر الذي كان يحيط بمراكش في العصر الوسيط، ويعود تميز منطقة النخيل بغراسة هذا المنتوج إلى المكونات الطبيعية المناسبة وأهمها مياه تانسيفت وتأثر التربة بعوامل جريان المياه التي رفعت من درجة ملوحتها، وهذه عوامل مواتية لنمو وتكاثر النخيل. إلى جانب النخيل كانت المنطقة مجالا لنشاط فلاحي واضح يبدو من خلال ملاحظات منها: 1-إن المنطقة أصبحت منذ القرن السادس الهجري/الثاني عشر الميلادي على الأقل مركز استقرار، عرف أحيانا باسم مدينة تاقايط، وأخرى باسم قرية تاقايط. ويعتبر النهاية الشمالية للإدارة الترابية للعاصمة مراكش ومما يفيده نعته بالمدينة ارتفاع عدد ساكنته. 2- قرب المنطقة من مراكش جعلها غير بعيدة من سوق ذات طاقة استهلاكية كبيرة للمنتوجات الفلاحة اليومية (يحتمل أن يكون عدد سكان مراكش في القرن السادس الهجري/ الثاني عشر الميلادي ما بين 150.000 و200.000 نسمة) كانت المنطقة تؤدي وظيفة الخدمات للقوافل التجارية والمسافرين، فهي آخر مركز استقرار للقادم من الشمال إلى مراكش، وأول محطة في تنقلات المتجه من مراكش إلى الشمال والأندلس، ففيه تتم الاستراحة والتبضع والتبادل. كانت المنطقة محطة إستراتيجية، ينزل فيها الخلفاء أثناء أسفارهم، ولذلك عرفت أيضا باسم منزل تانسيفت، والجيوش في حملاتهم العسكرية للاستراحة التزود بالحاجيات، والقيام بالتمييز. 4- تعتبر المنطقة أيضا محطة إشعاع صوفي مشهورة في الحوز، يمثل الصوفي الشهير أبو علي اليحياوي المعلم مركز جاذبيتها، وكان المريدون يتوافدون عليها من كل الجهات. يلاحظ إذن أن النشاط الفلاحي لمنطقة تاقايط كان يتوفر على سوق واسعة تتكون من سكان تاقايط ومراكش، وجموع التجار والمسافرين والمحلات المخزنية. حرر بتاريخ الاحد 14 يوليوز 2013