مسجد الكتبية بمراكش: أقوال المؤرخين حول المقصورة والمئذنة ومن بويع به
مسجد الكتبيين: جاء في القرطاس: [.... وكان رحمه الله - أي يوسف ابن تاشفين - لما شرع في بناء المسجد يحتزم ويعمل في الطين والبناء بيده مع الخدمة تواضعا منه وتورعا...]. وقال الشريف الإدريسي: [... وكان بها - أي مراكش - جامع بناه أميرها يوسف بن تاشفين، فلما كان في هذا الوقت وتغلب عليها المصامد، وصار الملك لهم تركوا ذلك الجامع عطلا، مغلق الأبواب لا يرون الصلاة فيه، وصنعوا لأنفسهم مسجدا جامعا يصلون فيه بعد أن نهبوا الأموال، وسفكوا الدماء وباعوا الحرم]. لأن المهدي بن تومرت وصاهم بتطهير المدينة، ويشرح ابن عذاري ذلك فيقول: [.. لأن المهدي بن تومرن كان يقول لأصحابه: لا تدخلوها - أي مراكش - حتى تطهروها] فسأل الموحدون الفقهاء عن ذلك فقالوا لهم: تبنوا أنتم مسجدا آخر، فكان الأمر كذلك. وجاء في كتاب الاستبصار: [.. فان الخليفة الإمام بنى فيها جامعا عظيما، ثم زاد فيه مثله أو أكثر في قبلته كان قصرا، ورفع بينهما المنار العظيم الذي لم يشيد في الإسلام مثله، وأكمله ابنه وخليفته يوسف]. ويقول الوزان [وقد وسع هذا الجامع بعد ذلك يعقوب المنصور حفيد عبد المومن، وزاد فيه خمسين ذراعا في كل جهة، وزينه بعدة أعمدة جلبها من اسبانيا، وبنى تحته خزان ماء بأقواس على مساحة الجامع، وأمر بأن يغطى الجامع بسقف من الرصاص تحيط به قنوات ضيقة بحيث تصرف جميع المياه الساقطة عليه إلى الخزان]. والذي سهر على بنائه هو الأحوص المالقي. مساحة الجامع 5300م، وبه سبعة أساكيب، وسبع عشرة بلاطات، وتتجه عقوده نحو جدار القبلة، ويلاحظ في بيت الصلاة أن به خمس قباب أقيمت على أسكوب المحراب: واحدة أقيمت أمام المحراب، واثنتان في كل جانب من جوانب المحراب، وأن البلاطات الخمس المواجهة لهذه القباب أكثر سعة من البلاطات الأخرى، وأن مجاز المحراب تتوجه ست قباب علاوة على قبة المحراب. وللمسجد صحن مستطيل أقيمت في شرقيه وغربيه مجنبات من أربعة أروقة تطل على الصحن بأربعة عقود من كل ناحية. أما الناحية الشمالية فإن فيها رواقا غير منتظم على هيئة مثلث، وأغلب الظن أن ذلك يرجع إلى أن الجدار الشمالي للمسجد كان جدار القبلة في المسجد الأول. مقصورة الجامع: كانت المقصورة التي يجلس بها أمير المؤمنين أثناء صلاة الجمعة ذات تراكيب عجيبة، فقد كانت حسب أقوال المؤرخين المسلمين تسع نحو ألف شخص، وكيفية هذه المقصورة أنها وضعت على حركات هندسية ترفع بها لخروجه، وتخفض لدخــوله، وذلك أنه صنع على يمين المحراب باب داخله المنبر، وعلى يساره باب داخله دار فيها حركات المقصورة والمنبر، وكان دخول عبد المومن وخروجه منها، فكان إذا قرب وقت الرواح إلى الجامع يوم الجمعة دارت الحركات بعد رفع البسط عن موضع المقصورة، فتطلع الأضلاع به في زمان واحد لا يفوت بعضها بعضا بدقيقة، فإذا قام الخطيب ليطلع عليه انفتح الباب وخرج المنبر في دفعة واحدة، وبحركة واحدة ولا يسمع له حس، ولا يرى تدبيره. منبر الجامع: لما أكمل عبد المومن بناء الجامع نقل إليه منبرا عظيما كان قد صنع بالأندلس في غاية الإتقان، قطعاته عود صندل أحمر وأصفر، وصفائحه من الذهب والفضة، ووجد مكتوبا على الخشب بالحفر: [صنع هذا المنبر بمدينة قرطبة حرسها الله لهذا الجامع المكرم أدام الله مدته بكلمة الإسلام فتم..... اللهم أيد...... بن تاشفين ثم ولي عهده]. وتحدث عن هذا المنبر ابن مرزوق في مسنده، فأشار إلى ما أكده أهل الفن من جودة وإتقان ترصيع منبري جامع قرطبة ومسجد الكتبية. طوله 3.46 م، وعرضه 0.87، وعلوه 3.86. به 9 درج. وكان الذي تولى صنع هذا المنبر والمقصورة المهندس الحاج يعيش المالقي. المئذنة: أسس عبد المومن هذه الصومعة الشامخة بين المسجدين سنة 553هـ/1158م، ثم أتمها ولده يوسف. فالصومعة من بنائهما لا من بناء يعقوب المنصور كما شاع غلطا. تقوم المئذنة على قاعدة مربعة طولها 12.50، وارتفاعها 67.50 م حتى نهاية التفاحات الثلاثة المتوجة لقبتها. [وتختلف زخارف هذه المئذنة من وجه إلى آخر، كما تختلف النوافذ والفتحات التي صنعت لتنير السلم الداخلي، وتتنوع العقود التي تزدان بها هذه الفتحات تنوعا يشهد بعبقرية الفنانين الذين تولوا شؤون البناء والزخرفة جميعا. فمن عقود منفوخة إلى عقود مفصصة إلى أخرى مقربصة، إلى نوع تتقاطع فيه العقود مؤلفة في بيت المؤذن شبكة من المعينات تشبه نظائرها في مساجد الرباط واشبيلية. في داخل المنارة سبع غرف واسعة في غاية الجمال، بعضها فوق بعض، تغطيها قباب متنوعة مخروطية، فوق تجاويف دائرية، ومفصصة ومقربصة، وشبه أسطوانية ذوات قطاع من عقد دقيقة متقاطعة، فوق تجاويف ملبسة بالمقربصات المستعملة في القبة الصغيرة بطابق الصومعة العلوي. وهذه النقوش الدقيقة قد صممت على شكل الأزهار وسعف النخل، وتعلو القاعدة السادسة قبة مثمنة الشكل ذات أضلاع ومقربصات تكون مجموعة هندسية بديعة. وكان تمام تنميق بردتها سنة 593هـ/1197م. وسبب تسميته بالكتبيين: نسبة إلى باعة الكتب الذين كانوا يروجون بضاعتهم بجانب الجامع. يقول الوزان: [... وكان تحت رواقه قديما نحو مائة دكان للكتبيين لم يبق منها اليوم ولو دكان واحد]. أبواب الجامع: للجامع 8 أبواب على شكل أبـواب تنمــل. 4 شرقا وهي الأكثر استعمالا، 4 غربا تعلوها تيجان متنوعة غنية بالزخارف النباتية. [وعلى باب جامعها ساعات ارتفاعها في الهواء خمسون ذراعا، ينزل عند انقضاء كل ساعة صنجة وزنها مائة درهم، يتحرك - بنزولها- أجراس يسمع وقعها من بعد، وتسمى عندهم المجانة]. وممن بويع بهذا الـجامع : السلطــان سيــدي محمـــد بن عبد الله في ربيع الأول عام 1171هـ موافــق 16 نونبر 1757م. يقول الضعيف [بويع إمامنا...... في جامع الكتبيين بحمراء مراكش وهو واقف في ظل شجرة نبتت في صحن الجامع المذكور من أشجار اللرنج بمحضر الأشراف . كما بويع المولى محمد بن عبد الرحمان، يقول الناصري:[اجتمع أهل مراكش على طبقاتهم بجامع الكتبيين، وحضر عامل البلد يومئذ أبو العباس أحمد بن عمر بوستة وقائد الجيش السوسي بالقصبة أبو اسحق إبراهيم بن سعيد الجراوي، وقواد الحوز من الرحامنة وغيرهم، فقريء كتاب السلطان سيدي محمد بن عبد الرحمان بالأخبار بموت والده، واجتماع الناس على السلطان. وكتب أهل مراكش بيعتهم من إنشاء أبي عبد الله أكنسوس]. من خطباء وأئمة الجامع: 1- محمد بن عيسى بن محمد بن أصبغ: [ت620هـ/1223م]. تولى الخطابة به. 2- محمد بن هبة الله الوجديجي الملقب بشقرون التلمساني [983هـ/1575/] كان يخطب بجامع الكتبيين، ثم خطب بجامع المنصور. 3- أبو سعيد الشريف التلمساني: [ت1000هـ/1591م].خطيب الجامع. 4- أحمد بن عبد العزيز الفيلالي (ت 1088 هـ/1677 م) 5- أحمد بن إبراهيم التاملي المراكشي: [ت1105هـ/1693م] تولى الخطبة. 6- أحمد العلمي الفلاحي الشهير بالدمناتي المراكشي: [ت1329هـ/1911م ] خطيب الجامع. - الترميمات التي طرأت على الجامع: جدده مرتين المولى عبد الرحمان العلوي. حرر بتاريخ 10/08/2017