سيدي بلعباس.. السلطان اللي جاب الصولى لولاد حومتو
سيدي بلعباس.. السلطان اللي جاب الصولى لولاد حومتو شكلت مدينة مراكش على مر العصور ملتقى لرجالات التصوف،حيث تحتضن تربتها العديد من الأولياء أو ما يعرف ب" الصلاح " يقول المثل الشعبي " مراكش كل قدم بولي "، ويتضح التأثير العميق للتصوف بالمدينة سواء من خلال هندستها وشكل بناء أحياءها ( حوماتها ) أو من خلال ارتباط تلك التجمعات السكنية بالولي الشهير بالحومة أو المدفون بها، وهو يتضح في انتشار العديد من القباب والأضرحة في كل أرجاء المدينة العتيقة. كانت الطرق الصوفية ممثلة بزاوية هذه الأخيرة لعبت أدوارا أساسية في حياة السكان على طول تاريخ المدينة باعتبارها مراكز علمية تربوية تنشر العلم وتعطى فيها ثقافة دينية وشعبية كما ترشد الناس إلى حسن السيرة والسلوك والتعامل، وهي مراكز اجتماعية للمساعدة والإطعام والإيواء والتوجيه ونوادي لتبادل الأخبار والمعلومات والتجارب والاستجمام والراحة. سيدي بلعباس.. السلطان اللي جاب الصولى لولاد حومتو حي الزاوية العباسية تنتصب فيه قبة ابن جعفر كما يلقبه سكان مراكش وكما جاء في أحد أبيات القصيدة الزجلية للدقة المراكشية أو " العيط ":ا ابن جعفر سلطان جاب الصولى لأولاد حومتو ....... الجامور يبان والسقاية قدام قبتو ابتهالات وقراءات للقرآن من طرف عميان ومكفوفين ومقعدين أو " مساكين " كما يلقبهم سكان مراكش يتحلقون في إحدى زوايا " الضس " للإشارة يحظى ضريح أبو العباس السبتي بعناية خاصة لعبت فيها أسرة " التباع " دورا كبيرا، قد يصل ثمن الخبزة الواحدة بعد قراءة القرآن عليها من طرف الدراويش إلى مليون سنتيم، يستقبل الزائر عند مدخل الضريح رجل مكلف بالأحذية في حين تقدم إحدى السيدات وهي زوجة مقدم الضريح الحاح عبد اللطيف التباع لباسا خفيفا يستر الفتيات للدخول إلى الضريح خصوصا مع اشتداد حرارة المدينة حيث يكون لباسهن خفيفا تظهر منه بعض الأطراف يستحسن تغطيتها للوقوف بين يدي الولي الصالح زين الضريح بالعديد من التحف الناذرة ساعات قديمة وشمعدانات نحاسية مختلفة الأحجام ، زرابي جد أنيقة، تحيط بالضريح بعض القبور لعلية القوم قرروا التبرك بالضريح بعد الممات برحاب تتخلله الدعوات والابتهالات، يقدم الزوار قطع من الشمع و علب الحليب ينحني أحدهم على القبر فيما تنهمك زوجته في الحديث مع رجل مسن تطلب منه الدعاء وهو يتمتم ماسكا سبحة قبل أن تسلمه ورقة نقدية دسها في شكارته في حين وضع زوجها " البركة " في الصندوق بواسطة ابنه الذي لا يتجاوز العشر سنوات والذي اثار انتباهه اصطفاف المكفوفين امتنع عن شرب الماء من كوب وضعه أحد الزوار وقرر الاغتراف بيديه من النافورة التي تتوسط صحن الضريح،تؤدى الصلاة بالضريح رغم تواجد مسجد على بعد خطوات قليلة،هناك من يقضي النهار بالضريح أما الزوار فلا يتعدون التبرك بالضريح ووضع " الفتوح " أو الشمع بالصندوق،بعضهم يطلب من لولي مساعدته وقضاء حاجته متعهدا بجلب الذبيحة في حين تكون زيارة البعض الآخر استطلاعية لا يتوانى في الدعاء للولي الصالح على حد تعبيرهم، رغم أنه من أكبر أولياء المدينة وأشهر رجالاتها السبعة، عربي الأصل ، ولد بمدينة سبتة عام 524هـ/1129م. وتوفي بمراكش في اليوم الثالث من جمادى الأخيرة عام 601هـ/1204م ،مرت حياته بثلاث مراحل، كالتالي: الأولى مرحلة التعليم حيث كان ينتسب إلى أسرة فقيرة إذ بوفاة والده اضطرت أمه إلى دفعه لحائك لتعلم الحرفة مقابل أجر، وبالرغم من أن أبا العباس كانت له رغبة في العلم، فكان كما تقـول الروايات، يفر من معمل الحائك ليلتحق بكتـاب الشيخ ابي عبد الله محمد الفخار (دفين تطوان) فتلتحق به أمه لتعيده الى الحائك بعد معاقبته، ومع تكـرر الحادث تدخل الشيخ مقترحا على الأم أن يعلم الصبي ويدفع لها أجره. المرحلة الثانية: مرحلة الخلوة حيث أبدى أبو العباس الرغبة في السفر طلبا للعلم ولقاء المشايخ، ووقع اختياره على مراكش، لأنها كما قال لشيخه "مدينة العلم والخير والصلاح، ولأنها كذلك عاصمة الدولة الجديدة، فقد كان خروج أبي العباس من سبتة عام 540هـ/1145م، (وعمره ست عشرة عاما) وهي السنة التي تأكد فيها انتصار الموحدين على المرابطين، خصوصا بعد مقتل تاشفين عام 539هـ/1144م. وجد أبو العباس مدينة مراكش في حالة حصار (استمر من محرم إلى شوال عام 541هـ/1146م). فصعد إلى جبل جيليز مع وصيفه، وجعل يتعبد في ذلك الجبل والفقير معه يخدمه لمدة حوالي أربعين سنة. ـ المرحلة الثالثة تكوين المريدين وتربيتهم: يكتنف الغموض ظروف دخول أبي العباس لمراكش وقطع خلوته الطويلة، رغم أن المصادر التاريخية تشير إلى أن ذلك تم على عهد المنصور، إلى أن الاختلاف واقع في التاريخ والسبب: حيث يشير البعض إلى أن وصول أخبار كرامات أبي العباس بعد نزوله على جبل جيليز، جعل المنصور واعيان المدينة يطلعون اليه للتبرك، ودعاه الخليفة إلى الإقامة بالمدينة وحبس عليه مدرسة للعلم والتدريس ودارا للسكنى،ولعل ذلك قد تم في بداية حكم المنصور، فيكون السبتي قد قضى ـ كما في المصادر ـ أربعين عاما في الخلوة ( من أربعين إلى ثمانين وخمسمائة )، وهذه المرحلة من أخصب مراحل حياة أبي العباس، ففيها تم نشر مذهبه على نطـاق واسع اذ كان يطوف بنفسه في الاسواق و يحث الناس على الصدقة وعلى المتاجرة مع الله (درهم يساوي عشرة) ـ كما يقول ـ . وفيها كون الشيخ أسرته فقد أعطاه المنصور دارا بأحواز جامع الكتبيين( فندق مقبل بحي أكادير) فتزوج وأنجب عددا من الأولاد ذكورا وإناثا، وفي مذهبه كان سند أبي العباس يرتفع في الطريقة إلى الأقطاب، الغزالي الجيلاني، أبي يعزى بواسطة سندين: عن أبي عبد الله الفخار شيخه بسبتة/عن القاضي عياض/ عن أبي بكر بن العربي/عن الغزالي وأبي يعزى، عن أبي عبد الله الفخار/عن القاضي عياض/ عن أبي عبد الله الصدفي/عن عبد القادر الجيلاني،ومع أخذه عن هؤلاء الشيوخ يبقى مذهبه القائم على الصدقة متميزا: فأبو يعزى وان اشتهر بتوزيع تسعة أعشار من زرعه والاكتفاء بالعشر، فان الأمر لم يصبح عنده مذهبا ينظر له، وينذر حياته لتطبيقه، وترجع الروايات جذور هذا المذهب إلى طفولة أبى العباس، عندما سال شيخه الفخار عن معنى قوله تعالى: "ان الله يامر بالعدل والاحسان". واكتملت معالمه أثناء خلوته الطويلة في جبل جيليز حيث كان كثير التدبر في القرآن الكريم، والعدل: عنده هو المشاطرة، وقد علم الرسول المسلمين مفهوما عندما آخى بين المهاجرين والأنصار، وشاطر الانصار المهاجرين، فعقد السبتي مع الله ألا يأتيه شيء إلا شاطره إخوانه المؤمنين من الفقراء، فسار على ذلك عشرين سنة، يتصدق بنصف ما يملك ( من سنة أربعين إلى ستين وخمسمائة )، بعد ذلك عاد للتدبر في الآية، فوجد أن العدل هو الشطر، وأن الإحسان ما زاد عليه، إذن فالإحسان هو المشاطرة والإيثار، أي إعطاء النصف مع إيثار المحتاج ومساعدته من النصف الثاني، فعقد مع الله عقدا آخر يمسك بمقتضاه الثلث ويتصدق بالثلثين، فعمل بذلك مدة عشرين سنة أخرى(من ستين إلى ثمانين وخمسمائة) ونتج عن هذا العقد أن مكن الله أبا العباس بالولاية والعزل في الخلق، ولعل هذا ما قصده ابن عربي عندما قال في الفتوحات المكية (دخلت مراكش فوجدت أبا العباس السبتي يولي ويعزل ويخفض ويرفع ويعطى ويمنع، فتمنيت هذا المقام، ولم يقـف أبو العباس عند هذا القـدر فأراد تجاوز مقام الإحسان بشكر النعمة، فقسم ما ياتيه الى سبعة اقسام: قسم هو حق النفس، وقسم حق الزوجة والاولاد ومن تجب نفقته (كان عددهم اثنين وثلاثين شخصا) ويصرف الباقي لمستحقيه. فأقام على ذلك أربع عشرة سنة، فصار بمقتضاه مجاب الدعاء،وقد سمع ابن رشد بمذهب أبي العباس فأرسل أبا القاسم عبد الرحمن ابن إبراهيم الخزرجي من قرطبة ليأتيه بخبره، ولما اعلمه بما رآه وسمعه أثناء مقامه مع السبتي قال ابن رشد (هذا رجل مذهبه ان الوجود ينفعل بالجود). حرر بتاريخ 30/08/2017