مزالق التحقيق عند المحدثين
مزالق التحقيق عند المحدثين
مقتبس من محاضرة: "مزالق التحقيق عند المحدثين" لأستاذنا الدكتور سيدي محمد الطبراني الصقلي الحسيني -حفظه الله تعالى- الاضطراب عند توزيع النصوص وتفريعها وقع في الجرح والتعديل مختصرا وفي غيره: "عن عمرو بن علي قال: وذكر الرجل – يقصد يحيى بن معين – أيضا يونس بن أبي اسحاق ، فقال فيه: أي تكلم فيه، فقال عبد الرحمن أي ابن مهدي : لم يكن به بأس". فهذه قضية نقدية تتعلق باختلاف الحكم على راو بين ناقدين كبيرين، يحيى بن معين وعبد الرحمن بن مهدي. قال : وحدثني يحيى وعبد الرحمن جميعا عنه، قال : يحيى سمعت منه، وعبد الرحمن عن سفيان عنه أي سمع بالواسطة ولم يسمع منه مباشرة، خلاف يحيى بن معين . بهذا الخبر يعلم خطأ في النقل عند العقيلي في ضعافه يفضي إلى عكس القضية والحكم، فإن أبا جعفر لما احتاج أن يوزع النص بين موضعين – النص المتقدم – اضطرب في عزو الشطر الثاني، فبدل أن يسند الكلام ليحيى بن معين وهو المقصود بالرجل أسنده ليحيى بن سعيد القطان، وصرح به فقال: "سمعت يحيى بن سعيد، ذكر يونس بن أبي إسحاق فقال فيه ، فقال عبد الرحمن : لم يكن به بأس". وهو لا يصح مع أن بقية الكلام يرده عن غير معناه ، فكيف يتكلم يحيى بن سعيد القطان في راو ثم يحدث عنه بعد ذلك ويرتضيه، وجاء التعقيب في الكلام المجلوب كون بإرادة الاعتراف عند ابن مهدي هذا لا يقع له مع القطان غالبا؛ لأنه كان صديقه وصاحبه، فإن اعترض عليه فيتعرض عليه بشكل مباشر لا بهذا اللمز ولا بهذه الإشارة؛ لأن يحيى بن معين كان في محل تلميذهما؛ ولذلك وقعت الإشارة إليه بالرجل دون تسميته، وتعرفون أن المعاصر أحيانا ما توقع في مثل هذا, فالمهم أن العقيلي لما وزَّع النص أخطأ في العزو فعوض أ ن يقول يحيى بن معين قال يحيى بن سعيد. وهذا إنما أوقعه فيه عدم التثبت في توزيع النص". انتهى كلام الأستاذ. وقد وقفتُ على مثل هذا المزلق عند المؤرخين وأصحاب التراجم، ومن ذلك ما ذكره القاضي العباس بن إبراهيم التعاريجي السملالي المراكشي صاحب" الإعلام بمن حل بمراكش وأغمات من الأعلام" في ترجمة الإمام المقرئ سيدي أبو الفلاح محمد الزوين بن امحمد الزراري الشرادي 1211/1311، صاحب الزمدرسة المشهور بأحواز مراكش، وقد تتلمذ هذا الشيخ على يد الشيخ الحاج التهامي الأوبيري الحمري، والشيخ عبد الله بن علي السكياطي، والشيخ الطاهر بن الحاج البعريري. وقد خلط التعاريجي فيما نقله عن عبد الحي الكتاني في من سماه"الزوين"، قال التعاريجي المراكشي: "سيدي محمد ولد من أبوين كأشين ما يكون خَشِن الصورة، فعرف بالثور، فذهب به والده مرة إلى صالح بلاد احمر وعالمها ومقرئها سيدي عبد الله السكياطي"(ج7/109). فالقاضي العباس المراكشي عندما وزع النص ارتبك في توزيعه، فقدم صفة وأخر الاسم الذي لا يطابقها، والواقع على خلافه، ولم يلتفت لهذا من نقل عنه، فنجد بعض الباحثين يغلب الصدر، ومنهم من يجعل عجز الكلام هو المقصود؛ ولذلك حصل الخلاف في أي الرجلين سماه الزوين، والذين نراه وتشهد له الشواهد أن الحاج التهامي الأوبيري الحمري هو الذي سماه، ولذلك لاعتبارات منها: أولا: قوله عالم بلاد احمر يُحيل إلى عالم الوقت يومئذ هو الشيخ الحاج التهامي الأوبيري(ت1250ه)، فهو قرين الشيخ عبد الله السكياطي(ت1245ه) ومتأخر عنه، أما الإمام السكياطي فكان في بلاد الشياظمة ومات قبل الأوبيري وفيه ألف "اتحاف الخل المواطي"، ولم يكن في احمر يومئذ أعلم من الحاج التهامي، وكان له نفوذٌ ووجاهةٌ عند السلاطين، وعلى يديه انتشرت طريق ابن عبد السلام الفاسي(ت1214ه) في مقرإ الإمام نافع في بلاد احمر وعبدة وشياظمة وقبائل الجنوب، فقَلَّ أن تجد سندا للمقرئ من هذه القبائل وليس في رجال سنده الإمام الأوبيري. ثانيا:أن مكانة الشيخ التهامي العلمية والإقرائية ووجاهته عند أصحاب الوقت كانت من الأسباب التي جعلت الطلبة يحجُّون إليه، وإذا علمنا أن الشماعية يومئذ مركز التمدن في احمر ولب حضارتها، وأنها أقرب الى زاوية الشرادي من الشياظمة، ترجح عندنا أن الشيخ الحاج التهامي الأوبيري هو الذي سماه "الزوين"، والله أعلم.