الفقيه الإيطالي سيدي رضوان الجنوي
وممن كان يعيش أيام السعديين الإمام الشيخ الورع الصالح المحدث ورع أهل زمانه، سيدي رضوان الجنوي، أصله من جنوى، وأسلم والده وهاجر لمغربنا وتزوج يهودية مسلمة، فأنجبا هذا الرجل العظيم، فكان يقول خرجت من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين، ويقال إن أباه رأى في منامه كأنه بال ياقوته فعبرت رؤياه بأنه يلد ولدا صالحا. ولد ونشأ بفاس حفظ القران الكريم، وطلب العلم بفاس ومراكش، وصحب العارف أبا محمد عبد الله الغزواني، ثم خليفته سيدي محمد الطالب، وأخذ بعدهما عن الشيخ أبي عبد الله محمد بن علي الشطيبي، رحل إليه لني زروال، وكان واسع العلم والمعرفة، وكان إذا ذكره يعظم أمره ويجل قدره، أخذ عن الإمام زروق، وتوفي سنة ثلاث وستين وتسعمائة، وأخذ أيضا عن الشيخ أبي عبد الله محمد بن علي الخروبي نزيل الجزائر ودفينها المتوفى سنة ثلاث وستين وتسعمائة، ثم استقل بنفسه وانتهت إليه الرئاسة في تربية السالكين وتهذيب المريدين، وظهرت بركته وخيره على كثير ممن صحبه وأخذ عنه. ووصفه في السلوة بقوله الشيخ الإمام علم الأعلام حسنة الليالي والأيام، حامل لواء المحبة والمراقبة والشهود والعيان القائم في مقاماتها بميزان القسط على ما عرف من أكابر هذا الشأن سراج العارفين وشمس المريدين محيي رسوم الطريقة الشاذلية بعد اند راس آثارها ومطلع شموسها الولي الصالح القدوة الحجة الناصح الورع الزاهد العالم العامل الوارث الكامل الموصل الواصل المحدث الصوفي المتفق على علمه وصلاحه ودينه المجمع على ورعه وزهده ويقينه أبو النعيم وأبو الرضى سيدي رضوان بن عبد الله الجنوي، ثم الفاسي...إلخ. وذكر مترجموه أنه كان إمام أهل ازهد والورع والعلم والعمل على سنن السلف الصالح حافظا للحديث رواية له في وقته، شديد الخشوع والخشية، كثير البكاء حتى كان شيخه في العلم أبو محمد عبد الرحمن سقير يسميه برضوان البكاء، وكانت تصدر منه أحيانا صيحة تكاد القلوب تنفطر من عظمها لغلبة الوجد عليه مراعيا لأوقاته شديد الورع في تصرفاته وأحواله شديد الإتباع لأحكام الشرع وآداب السنة، محافظا على استعمال الأذكار والدعوات المختلفة باختلاف الأحوال، أوقاته عامرة بالذكر والصلاة والتلاوة والمطالعة شديد التحرز من الغيبة، لا يكاد يذكر غائبا أو يذكر بحضرته إلا بما يقتضيه العلم، بعيدا من الرخص منزويا عن الدنيا زاهدا فيها بريئا من الدعوى، لا يدع أحد يقبل يده. قال فيه أبو عبد الله القصار سيدي رضوان الرجل الصالح لو أدركه أبو نعيم لجعله صدر حليته أو قال مع أويس القرني. وقال تلميذ العلامة أبو العباس أحمد المرابي، ولقد وجدت بخط الولي الصالح الورع الزاهد سيدي أبي الحجاج يوسف الشريف ما نصه: كنت مرة بفاس أقرأ بالمدرسة فاشتقت أنا وبعض الفقراء زيارة الولي الصالح سيدي يوسف، الذي كان بالحارة من باب الجيسة، فقصدناه والتقينا به، فكان مما قال لنا كيف تزورونا ولسنا أهلا لذلك. لو تعلمون بالرجل الذي يظهر بعدنا لما كانت قلوبكم تطمئن إلا به، فسألناه عنه فقال رضوان لو أقسم على الله لأبره. وقد أفرده بالترجمة تلميذه المذكور في كتاب سماه "تحفة الإخوان ومواهب الامتنان في مناقب سيدي رضوان" ومما قال فيه الأبيات التالية: أكرم به حاز المعالي كلها****طوبى لعبد قد رأى بمقلته قطب الزمان وغوثه وإمامه****كهف الأنام وملجأ لرعيته أقسمت ما شاءت عيوني نظيره***في الناس لا بل ما رأيت كطلعته راقت محاسنه وعز قرينه****إن القلوب تحبه من صبوته في وصفه تعيا القلوب فكله****نور على نور يرى في جلسته شيخ التقى بحر الندا علم الهدى****بدر بدا يسبي العقول بخلقته توفي رضي الله تعالى عنه بفاس سنة إحدى وتسعين وتسعمائة، ودفن خارج باب الفتوح، ترجم في الجذوة وفي درة الحجال وفي سلوة الأنفاس وغيرها. وقد لخصنا منها ما أردنا والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. عبد الله بن عبد القادرالتليدي: المطرب بمشاهير أولياء المغرب، دار الأمان، الطبعة الرابعة 2003، الرباط. ص:164-165-166.