داء العطب قديم.
دخل المغرب في أزمة سياسية بعد موت السلطان المظفر أبي النصر إسماعيل بن علي العلوي سنة 1137 ه، إذ تنازع أبناؤه على الملك بعده نحو العشرين السنة إلى أن استتب الأمر لابنه المولى عبد الله سنة 1156، واستغل نصارى الإسبان والبرتغال و الانجليز تكالب الأبناء على الملك فزحفوا إلى السواحل فاحتلوها،.... ولكن هذا السلطان كان قاسيا شديدا بطاشا بالقبائل الثائرة فلم تحفل به الناس، وفتك بجيش البخاري بعد أن سعوا في الفتنة وأوقدوا نيران التمرد، ولم يكن السلطان لبقا في سياسته ولا حكيما في تصرفه، وتقبضت الرعية منه إلى أن توفي سنة 1171، فتولى من بعد السلطان الأديب الاريب المولى محمد بن عبد الله: فبايعته الناس طرا دفعة **ولم يكن فيها أحد بالأسبق فسعى في الانفتاح على العالم الغربي، وبعث البعثات والسفارات إلى دول الانجليز والاسبان والبرتغال، واستفاد من الخبراء في ميادين الصناعة والحرف والعلوم، فاستعان بمهندس انجليزي في بناء الصويرة سنة 1178، وعقد الهدنة مع أول رئيس امريكي جورج واشنطن، وتدخل في فكاك أسرى من اسبانيا، ودفع العدو عن الجديدة وأزمور وأكادير وسواحل الجنوب، وبوافته سنة 1204، تخبو جمرة القوة والتمكين، وتبدأ علامات الانحلال تظهر في كيان الدولة بعد أن ثارت قبائل البربر على السلطان المولى سليمان، ولم يحصل له هناء في آخر حياته بعد وقعة زاوية الشرادي ستة 1238، ولما ولي ابن أخيه عبد الرحمن بن هشام كانت الجزائر تصارع مقتلها على يد الفرانسيس، فاستنجد الأمير عبد القادر بسلطان المغربي فأنجده بجنود وعدة فالتقت جيوش المغرب والجزائر مع فرنسا بإيسلي سنة 1944، فكانت الهزيمة والنكسة المغربية،...... فعقد المغرب معاهدة لالة مغنية 1945، وكانت فيها شروط قاسية، ألزمت السلطان فرض ضريبة على الشعب، وهنا بدأ الداء،..... ثم اتفاقيته مع الانجليز على تقليص قيمة الضرائب على الموانئ، وتلتها احتلال تطوان على يد الاسبان 1959، ووعد بتأدية 100مليون بسيطة إلى اسبانيا مقابل الخروج، و ترك السلطان البلاد خارقة في الديون، وخلفه ابنه المولى محمد فلم يستطع رد الديون ولا تحسين الوضع طلية مدة حكمه 1959/1973، وعندما تولى السلطان المولى الحسن عقد معاهدة مع الاسبان في مدريد سنة 1880 من أجل تعديل شروط معاهدة حرب تطوان، ولكن الاسبان تجاهلوا مطلبه، وتوجهوا إلى الجنوب فاحتلوا سواحلها، وهنا بدأ العجز،...... وظهرت ثورة بوحمارة، وغاصت البلاد في الفتن، ومات السلطان بوادي العبيد كمدا سنة 1311/1894، وخلفه ابنه المولى عبد العزيز فكان صغيرا في سن الرابعة عشر، فحجبه الوزير أبا أحماد واستبد بشؤون الدولة دونه، وأبقي السلطان في قصوره بين الجواري والألعاب، وكثرت القلاقل و شاع بيع الوظائف الحكومية، فأوعز بعض العلماء إلى أخيه المولى عبد الحفيظ الثورة عليه، فنازعه الحكم وتغلب عليه سنة 1908، وكان المولى عبد الحفيظ فقيها أديبا عارفا بالتاريخ محبا للعلماء، ولكنه وجد السفينة قد غرقت، فشمر على ساعد الجد من أجل انقاذ البلاد، ولكن هيهات هيهات....، ولما جاءه سفير فرنسا بوثيقة الحماية أبى أن يوقع وتردد، وشاور الفقهاء، وبدى له أن يعلن الجهاد ويدعو الرعية للدفاع عن الوطن، ولكن جاءه الشيخ المقري قائلا ينصحه: إنني رأيت لهم قوة في الصناعة والسلاح والعسكر، وأن لهم خمسة آلاف جندي ضمن جنود المخزن، وأن فرنسا صفت حسابها مع ألمانيا وإيطاليا وبريطانيا ولن تقف الإسبان في وجهها، .... وأعلمه أن ذات السلطان الشريفة هي المفر الأخير، فهو طنب خيمة البلاد وأوتادها، فلو فر لهام الناس على وجوههم، ولو أعلن الحرب فسرعان ما ستسصل إليه يد العدو، لضعف الحامية، ....وجعل يحثه على الصبر والرضى بقضاء الله وأن هذا مكتوب في الأزل. فرأى السلطان أن ما قاله الشيخ هو ما تقتضيه الحكمة، ووقع السلطان الوثيقة المشؤومة بفاس يوم 30مارس1912، وطبعت بخاتم السلطان فاكتسبت طابع الشرعية، وهنا كان السقوط..... وبعدها أعلن أهل فاس الثورة على المحتل، وأعلن السلطان اعتزاله للحكم، ونزع ربقة الولاية من عنقه، ووكل بها أخاه يوسف بن الحسن، وقضى السلطان المولى عبد الحفيظ بقيت عمره بفرنسا. تفرغ السلطان في خلوته للتأليف وإعادة النظر في أحوال البلاد، ومراحل سريان الضعف إليها إلى أن ألقت إليه زمامها وهي منهوكة هلكى قد أكلتها نيران الثورات ومصت المعاهدات مخ خيراتها، فكتب هذه الكتاب ليخبرنا أن *** داء العطب قديم.