أرفود أصل التسمية:16
" إذا كانت اللغة هي التي تجعلنا بشرا، فإنها هي التي تجعلنا بشرا متفوقين."(1) تعد المصادر المكتوبة من (كتب فقه،أدب، تراجم، جغرافيا، مناخ، فلسفة...)أهم المراجع الفكرية المعتمدة في التأريخ لمختلف الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. لكن السؤال الذي يطرح نفسه..ماذا لو وجدت مجتمعات بدون مصادر مكتوبة؟ "تبقى اللغة في هذا الصدد واحدا من بين أفضل الوثائق، التي يمكن أن تمد الباحث بمعطيات وتدقيقات مفيدة لا توجد في المصادر التقليدية المألوفة، وهي تدقيقات ثمينة تسلط أضواء جديدة على مشاكل لم يتم بعد الاهتداء إلى حلها، رغم أنها تبدو للبعض وكأنها مفسرة تفسيرا مقبولا ونهائيا."(2) إن الاستطراد في سرد الوقائع السياسية، ووصف المعارك العسكرية..هيمن على مجموعة من الكتابات التاريخية، وبالتالي"فإن إعادة النظر في أدوات البحث التاريخي بالانفتاح على أدوات جديدة، بإمكانه أن يتمم أو يعيد النظر في العديد من القضايا التاريخية، وعبرها الكتابة والتأليف التاريخيين، وهذا يعني أن انفتاح الكتابة التاريخية على الطوبونيميا من شأنه أن يعرض لقضايا ظلت تحت الظل، ولأسئلة كانت غير معروفة، من قبيل لماذا اهتمت الإسطوغرافيا التقليدية بالمعاجم الجغرافيا؟ ولماذا اهتمت بأسماء بعض الأماكن دون أخرى؟ ولماذا رسمت بعض المصادر التاريخية أسماء الأماكن مقرونة بشرحها؟"(3) إن علم الطوبونيميا لا يقف عند دراسة أسماء الأماكن.. لتحقيق أهداف ثقافية أو لغوية ..بل الأماكنية قطعة تتكامل مع كل العلوم الإنسانية تعيد رسم المشهد الجغرافي في المدن المغربية، باعتماد علم أسماء المدن،مما سيساهم في فهم علاقة الإنسان بالمجال. ويقول الدكتور محمد أولجامع "تكمن أهمية الأعلام الجغرافية بالنسبة للمؤرخ في كونها مادة مصدرية سابقة لزمن الكتابة والتدوين، كما أن هذه المادة لا تخص ثقافة دون أخرى أو حضارة دون أخرى. و هي بذلك شأن بشري وإنساني (بالمعنى الأنثروبولوجي) ارتبط بمراحل تطوره و انتشاره في المجال واستغلاله له."(4) فهل كلمة أرفود سابقة لزمن الكتابة والتدوين؟ أرفود مدينة مغربية في جهة درعة تافيلالت، تنتمي إلى إقليم الراشيدية، وتبعد عنها ب75 كلم، تتوفر على الكثير من المؤهلات السياحية الطبيعية (كثبان رملية، واحات، هواء نقي، متاحف مفتوحة للمستحاثاث...) وتشتهر أيضا بمهرجان يعرض أجود أنواع التمور، وما ورد في معلمة المغرب يبرز أهميتها التاريخية فهي " واحة كبيرة من واحات الرشيدية (تافيلالت). و أرفود اسم لجبل صغير أطلق في بداية عهد الاستعمار على الواحة التي لم تكن تعرف قبلا إلا باسم "تيزيمي"، تنبسط واحة أرفود شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، وتحيط بها من الشرق والغرب كثبان رملية كثيرة، يقصدها[السياح] الأجانب للاستشفاء من أمراض المفاصل: رمال [تمتد] شرقا على بعد 15 كلم، ورمال "إردي" غربا على 8 كلم، جوها صحراوي شديد الحرارة صيفا، شديد البرودة شتاء، تتصل الواحة من شرقها الغربي بواحة الجرف المشهورة بمياهها العذبة وبحقولها الخضراء على جنوبها واحة تافيلالت، أما شمالها ففيها واحة الرطب، تكثر أنواع النخيل وبعض الفواكه بواحة أرفود، ويتميز ماؤها بدرجة من الملوحة مما يجعله غير مستساغ للشرب، وبشمالها الشرقي تفجرت أخيرا"عين الله". تشتمل أرفود على عدة قصور، أشهرها قصر المعاضيد والهبيبات والشياحنة، يتكلم سكانها باللسان العربي ويرجعون في أصلهم إلى عرب الصباح، ويوجد منهم الصنف المدعو بالحراطين وهو قليل، ويتميزون على العموم بالذكاء والفطنة والفطرة السليمة، والجدية والاستقامة والسلوك الطيب، ويعتمدون في كسب عيشهم على الفلاحة والتجارة، وبعضهم يضطر إلى الهجرة خارج المغرب وداخله."(5) ما يلاحظ أن أرفود كلمة أمازيغية، تنطق بفتح الحرف الأول(أ)، وتسكين الحرف الثاني(ر)، وضم الحرف الثالث(ف)، وتسكين الحرف الأخير(د)، وحسب علم الطوبونيميا، فهي كلمة محرفة على مستوى الكتابة، حيث تتكون من شقين: الأول: "أر" بتسكين حرف الألف والراء، وتعني بالأمازيغية "إلى" تلعب دور حرف جر. الثاني: "أفود" عند ترجمتها إلى اللغة العربية تعني الركبة"(6) تكتب الكلمة في اللغة العربية بهذا التعبير "إلى الركبة" أو "أر" "أفود" عند الترجمة إلى اللغة الأمازيغية، "يقال مثلا فلان "ورتيغراد" أي فلان عديم القوة، وبالتالي ضعيف الجسم، وعلى العكس من ذلك يقال فلان "بويفادن" أي فلان ذو عضلات مفتولة، وإيفادن مفرد أفود، الذي تقابله في اللغة العربية الركبة، و "وإيفادن" ترمز لدى الأمازيغ في المغرب إلى البنية الجسمانية القوية."(7) أر- أفود بالأمازيغية أو إلى الركبة باللغة العربية، هي وحدة لقياس حجم أو كمية المياه، المسموح باستغلالها في الري، والهدف من هذا التقسيم، هو تنظيم السقي وتوزيع المياه بشكل دقيق في مجال جاف يتميز بالقسوة، ما يفرض نوعا من العدالة الإجتماعية في تدبير الماء، وحسب الدكتور أحمد البوزيدي فإن" طرق تنظيم السقي بواحات درعة، تعتبر أكثر تعقيدا أو غموضا... في الواقع هي نتاج تجارب المجموعات البشرية التي تعاقبت على تعمير بلاد درعة، ولعل ما يؤكد ما ذهبنا إليه هو الاختلاف في طرق توزيع الماء من واحة إلى أخرى، بل من ساقية إلى أخرى، إلى تعدد المصطلحات المعيارية المتداولة في هذه الساقية أو تلك مثل الخروبة والدرهم و"أزاكلوا" والزلافة ونتاسا.. والتراس والرجل."(8) بعض الاستنتاجات: • تعد الطوبونيميا واحدة من أدوات البحث التاريخي الجديدة. • أسماء الأماكن مادة مصدرية سابقة لزمن الكتابة والتدوين. • أرفود مدينة مغربية في جهة درعة تافيلالت. • تتميز مدينة أرفود بمؤهلات سياحية متنوعة. • أرفود كلمة أمازيغية محرفة، تنقسم إلى قسمين: "أر" بالأمازيغية، يقصد إلى، "أفود" يقصد بها الركبة. • كلمة أفود مفردة تجمع على صيغة لفظ إيفادن بالأمازيغية. • أر- أفود وحدة لقياس حجم أو كمية الماء، المسموح باستغلالها في الري. بعض المصادر والمراجع: (1) نيقولاس أوستلر: إمبراطورية الكلمة تاريخ للغات في العالم، ترجمة محمد شفيق البجيرمي، دار الكتاب العربي،2011، بيروت، ص:16. (2)علي صدقي أزايكو:نماذج من أسماء الأعلام الجغرافية والبشرية المغربية، مطبعة المعارف الجديدة،الرباط،2004، ص:7. (3) محمد البركة: الطوبونيميا والبحث التاريخي، محاولة في تجديد آليات البحث، دورية كان التاريخية، العدد24، يونيو، ص:121-125. (4) الأستاذ محمد أولجامع: طبونيما واد را(عة)، جامعة القاضي عياض، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، مراكش، ماي 2013، ص:1. (5) محمد العلوي الأفوسي: معلمة المغرب، الجزء الأول، مطابع سلا، 1989،ص:322. (6) الأرضي أمبارك: المعجم الأمازيغي الوظيفي، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى،2008، الدار البيضاء، ص:74. (7) محمد حمام: المصطلحات الأمازيغية في تاريخ المغرب وحضارته،الجزء الأول، مطبعة المعارف الجديدة،الرباط،2004،ص:64. (8) أحمد البوزيدي، قضايا توزيع الماء بواحات درعة (من خلال الوثائق المحلية)،الماء في تاريخ المغرب، منشورات جامعة الحسن الثاني، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، عين الشق،الدار البيضاء،الطبعة الأولى 1999،ص:87.