الرباطات والزوايا في تاريخ الصحراء
الرباطات والزوايا في تاريخ الصحراء
يعالج هذا الكتاب دور الرباطات والزوايا في تاريخ الصحراء من خلال نماذج مختارة، حيث تجلى هذا الدور أساسا في ترسيخ القيم الدينية، وبث روح العلم وتكوين الطلبة والمريدين، وتلقينهم الأوراد الصوفية ومختلف العلوم الشرعية، وتحقيق العمران البشري والأمن الروحي، وحل الخلافات الاجتماعية والتحكيم في المنازعات، وتحقيق التكافل الاجتماعي، وجهاد الأجانب، وتأطير الأتباع في مجموع المناطق الصحراوية لاسيما مناطق باني وواد نون والساقية الحمراء، فضلا عن مساهمة أرباب الزوايا في تنمية الاقتصاد وتنشيط التجارة الصحراوية وحفر الآبار وغرس الأشجار والاهتمام بالفلاحة وكل ما يشجع على الاستقرار وتوطين القبائل الرحل، وهو ما انعكس بشكل إيجابي على سكان المناطق التي ظهرت بها هذه الزوايا والرباطات الدينية والتي مثلت قبلة للعلماء والطلبة، وحرما آمنا للفارين والمبعدين، ومأوى للزوار وعابري السبيل.
فقد ضم هذا الكتاب بين ثناياه لمحة عن أهم الرباطات والزوايا التي عرفتها الصحراء وأدوارها الطلائعية في مراحل تاريخية مبكرة منذ نهاية العصر الوسيط، إلى الفترة الاستعمارية التي تعرض لها المغرب في النصف الأول من القرن العشرين، حيث أسس هذه الرباطات والزوايا ثلة من المشايخ والأولياء أمثال: الشيخ محمد إعزى ويهدى ومحمد بن عمرو الأسريري والشيخ سيدي أحمد الرقيبي والشيخ الحسن أوعلي، وسيدي أحمد بن علي، والشيخ ماء العينين، الذين اشتهروا بين أبناء جلدتهم ومعاصريهم بالورع والعلم والصلاح، فأسهموا في بناء معالم ثقافية وفضاءات روحية خلدت تاريخهم ومكنت أبناءهم وأحفادهم وأتباعم ومن سار في فلكهم من الحفاظ على إشعاعها وامتداد نفوذها.
إلى جانب مساهمتهم في الرقي بهذا التراث الفكري والروحي والرفع من منزلته بين الناس وضمان استمراريته في استقطاب المريدين وتأطيرهم، ومنه رفع راية الجهاد والتصدي للغزو الإيبيري للسواحل الجنوبية في القرن 15م، وكذا التفاف القبائل الصحراوية حول زعامة مشايخ التربية الصوفية منذ نهاية القرن 19 ومطلع القرن 20م لمقاومة الاستعمارين الفرنسي والإسباني. وبذلك يمثل هذا الكتاب وثيقة تاريخية تسلط الضوء على جوانب من تاريخ الرباطات والزوايا بالصحراء من خلال أصولها وامتداداتها انطلاقا من نماذج مختارة، كما يشكل إضافة نوعية للخزانة المغربية في التاريخ الديني للصحراء.