سيدي عبد الرحمن المجذوب
ومن مشاهير أولياء الدولة السعدية، العارف الكبير صاحب الأحوال العجيبة، والكرامات الغريبة اية الله الكبرى سيدي عبد الرحمن بن عياد بن يعقوب بن سلامة الصنهاجي الأصل، ثم الفرجي الدكالي المعروف بالمجذوب، كان مقر أسلافه بساحل بلد أزمور من دكالة، وهناك ولد ثم رحل والده مع العائلة إلى نواحي مكناس ثم سكن هو مكناس نفسها. ولما أراد الله تعالى به الخير وإظهار كرامته عليه وخصوصيته لديه أوى إليه بعض الفقراء، فاستضافوه فأضافهم وأكرم مثواهم، فرأى في منامه رجلا ضربه فبقي عاما مولها مصطلما يصيح الله الله ولا يدري من ضربه ولا أين هو، فبينما هو بباب القرويين إذا هو بسيدي هلي الدوار الصنهاجي، فأقبل عليه وأمسكه وحركه، ثم دفعه، فإذا به بالبرج الجديد بوادي فاس يمكنه من الخطوة وطي الأرض، ورأى في تلك الحال أن الشيخ سيدي عليا رفعه من سرته بأصبعه وأهل الله مجتمعون وهو يقول لهم من أحبني فليعط هذا، ثم سار إلى بلده فجعل يلقى المشايخ من أهل الله ويعطونه كما رأى فلقي بمكناس سيدي أبا الروايين وسيدي سعيدل المشتراني، ويقال أنه به تماسك ورجع إلى وجوده وكان قبل متطعا عن حسه يريق على نفسه ما يكون من مانع الطعام واستشاره مرة في المشي إلى الحج، فقال له يا سيدي عبد الرحمن مكة عشاقة، الذي تبغيه هي تزوره في داره، فجعل يقول أجاد ابن سعيد الحبيب أجاد ابن سعيد الحبيب. ولقي القطب سيدي عمر الخطاب صاحب جبل زرهون، وهو عمدته في التربية وسلوك الطريق ووقعت له معه حكاية، وذلك أنه قال لأصحابه ممن كان ينسب الجذب لا يبقى مجذوب إلا المجذوب، وأمرهم بتغطية، وأمرهم بتغطية رؤوسهم فغلبت هذه التسمية عليه وحده دون باقيهم، وهذا الشيخ هو الذي أمره بسكنى القصر الكبير كما يأتي. وهكذا كان يلتقي مع المشايخ ويرث ما عندهم، وهكذا كان يلتقي من المشايخ ويرث ما عندهم، فأول من ورث سيدي علي الدوار ورثه أولا هو وأخته في الشيخ السيدة آمنة بنت سيدي أحمد القاضي خديمة سيدي علي وضجيعته، دخل عليه قرب احتضاره، فأعطاه خبزة وقال له إياك والنساء، فمشى فلقيته السيدة امنة المذكورة فقالت له هات الخبزة فناولها إياها، فأخذت ثلثها وأعطته الباقي، فقال لها لولا ما قسمت بالعدل لخشيت على نفسك، ثم ماتت فورثها وقال الآن حصل لي إرث أبي كاملا وآخر من ورث سدي اللواح السريفي ورثه في آخر أمره بعد امتلائه، فكان يقول كل شيء قدرت عليه إلا متاعك يالواح، وكان يظهر أثر قوة ما نزل به من ذلك في جلده، ولما كمل حاله وانتهى أمره وصلح لانتفاع الخلق به أمره شيخه سيدي عمر الخطاب بالذهاب للقصر ليؤدي مهمته ويسلم رسالته وسره لصاحبها سيدي أبي المحاسن يوسف الفاسي، فبقي هناك معه مدة إلى أن كبر وطلب العلم وتزوج، ورباه وسلكه، ثم انتقل راجعا إلى مقره الأول كما سيأتي في ترجمة أبي المحاسن إن شاء الله تعالى. قال في ممتع الأسماع كان الشيخ يعني المجذوب عظيم الحال باهر الخوراق، كثير الكرامات غزير المكاشفات، فكان كثيرا ما يخبر بالشيء قبل أن يكون وكانت له الإغاثة في البر والبحر، والخطوة فلقد كان يقف كل سنة بعرفات وكان يجري في كلامه الأخبار عن اللوح المحفوظ ورؤية ما فيه. قال وكان لا يكثرت بالخلق في إقبالهم ولا في إدبارهم مجموعا على مولاه لا يلتفت لغير ما به تولاه، بل كان يعد إقبال الخلق عليه ليلا وإدبارهم عنه نهارا، يفر طول دهره من نفسه ومما سوى الله إلى الله قد صفا باطنه من شوائب الكدر واستوى عنده الذهب والمدر والمدح والذم والشدائد والنعم بل يعد نعمة الدنيا متعا والبلاء والشدة عطاء ورخاء اعرض في بدايته عما سوى الله ، فحصل في نهايته من فضل الله ما لا يعلمه إلا الله، وكان مردودا عليه للشريعة مترسما مقيما لوظائفهما سؤلا عنها متبعا للسنة عاملا بها، وكان من شأنه إذا كان في غمرات الحال وقبضة الوارد، فسمع آذان المؤذن للصلاة قال هذا بريح السلطان، وقد أتى، وقام إلى الصلاة وكأنما كان عليه ثوب نزعه، وإذا حضر الوقت ولم يكن من يؤذن أذنه بنفسه وكان يوصي أصحابه بعدم الإقتداء به فيما يخرج فيه عما يعرفونه من ظاهر الشريعة مما يجبره عليه وارد الحقيقة قال وكان يتسبب ويحرث ويتزوج ويلد ويعطي كل ذي حق حقه..وكان متواضعا متأدبا خصوصا مع أهل الله مواظبا على خدمتهم..إلخ. من كلامه وحكمه: ولسيدي عبد الرحمن المجذوب كلام ملحون لا يخلو من فوائد وحكم، وقد جمعه بعضهم وشرحه وطبعه أخيرا، وإلى القارئ بعض عيونه: بسم الله نبدا قولي*** *****بسم الكريم وباب الله وعلى الله نفني عمري**** والخاتما رسول الله هذا وما دلي لدا**********ما أحلى ذكر الممجد العاشقين ولا راحا********صابوا الدوا في محمد إذا أطكرتك يا لامجد******نصيب راحا في نفسي لولا حبيبي محمد********ما كان عرش ولا كرسي...... من كراماته: ولسيدي عبد الرحمن خوراق ومؤيدات فمنها أن إنسانا من أهل القصر كان يستهزئ به وكان يقول فيه المجذوم بالميم، فبينما هو ذات ليلة نائم إذا بالشيخ وقف عليه وبيده جعبة قصب فأدناها من وجهه ونفخ فيها أو نفث فطارت رشاشة منها على وجهه، فلما أصبح إذا اثار ذلك في وجهه جذاما، ثم انتشر ذلك في سائر جسمه، فجعلوا له خارج البلد بيتا من قصب، فكان أهله إذ أتوه بمؤؤنته جعلوها في رأس قصبة طويلة ثم ناولوها إياه، وبقي على ذلك طريدا فريدا مهانا إلى أن توفي بعد أن كان ذا رياسة وجاه وظهور، نسأل السلامة من معاداة أهل أهل الله وإذايتهم...توفي رضي الله تعالى عنه ليلة الجمعة من عيد الأضحى سنة ست وسبعين وتسعمائة ودفن خارج باب عيسى، وهو اليوم في مقبرة محاط عليها بجدار مرتفع على يمين الداخل لضريح المولى إسماعيل العلوي رحمه الله. عبد الله بن عبد القادرالتليدي: المطرب بمشاهير أولياء المغرب، دار الأمان، الطبعة الرابعة 2003، الرباط. ص: 167-168-169-170-171.